
.
.
.
الكتاب : الجليس الصالح والأنيس الناصح
المؤلف : المعافى بن زكريا
مصدر الكتاب : موقع الوراق
http://www.alwarraq.com
[ الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع ]
.
.
.
حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي، ثنا عيسى بن محمد بن ناظرة السدوسي، قال: حدثني قبيصة بن محمد المهلبي، قال: أخبرني اليمان ابن عمر مولى ذي الرياستين قال: كان ذو الرياستين يبعثني وأحداثاً من أحداث أهله إلى شيخ بخراسان له أدب وحسن معرفةٍ بالأمور، ويقول لنا: تعلموا منه الحكمة فإنه حكيم، فكنا نأتيه، فإذا انصرفنا من عنده سألنا ذو الرياستين واعترض ما حفظناه فنخبره، فصرنا ذات يوم إلى الشيخ فقال لنا: أنتم أدباء وقد سمعتم الحكمة، ولكم خيراتٌ ونعمٌ، فهل فيكم عاشق؟ فقلنا: لا، فقال: اعشقوا فإن العشق يطلق اللسان الغبي، ويفتح حيلة البليد والبخيل، ويبعث على التنظف، وتحسين اللباس، وتطييب المطعم، ويدعو إلى الحركة والذكاء. ويشرف الهمة، وإياكم والحرام.
فانصرفنا من عنده إلى ذي الرياستين، فسألناه عما أفدناه في يومنا ذلك، فهبناه أن نخبره، فغرم علينا، فقلنا له: أمرنا بكذا وكذا، وقال لنا كذا وكذا، قال: صدق والله، أتعلمون من أين أخذ هذا؟ قلنا: لا، قال ذو الرياستين: إن بهرام جور كان له ابن وكان قد رشحه للأمر من بعده، فنشأ الفتى ناقص المروءة، خامل النفس، سيىء الأدب، فغمه ذلك، ووكل به من المؤدبين والمنجمين والحكماء من يلازمه ويعلمه، وكان يسألهم عنه فيحكون له ما يغمه، من سوء فهمه وقلة أدبه، إلى أن سأل بعض مؤدبيه يوماً، فقال له المؤدب قد كنا نخاف سوء أدبه فحدث من أمره ما صرنا إلى اليأس من فلاحه، قال: وما ذاك الذي حدث؟ قال: رأى أمة فلانٍ المرزبان فعشقها حتى غلبت عليه، فهو لا يهذي إلا بها، ولا يتشاغل إلا بذكرها، فقال بهرام: الآن رجوت فلاحه.
ثم دعا بأبي الجارية، فقال: إني مسر إليك سراً فلا يعدونك، فضمن له سره، فأعلمه أن ابنه قد عشق ابنته، وأنه يريد أن ينكحها إياه، وأمره أن يأمرها بإطماعه في نفسها، ومراسلته من غير أن يراها، أو تقع عينه عليها، فإذا استحكم طمعه فيها تجنت عليه وهجرته، فإن استعتبها أعلمته أنها لا تصلح إلا لملكٍ ومن همته همة ملك، وأنه يمنعها من مواصلته أنه لا يصلح للملك، ثم ليعلمه خبرها وخبره، لايطلعها على ما أسر إليه.
فقبل أبوها ذلك منه، وفعلت المرأة ما أمرها به أبوها، فلما انتهت إلى التجني عليه، وعلم الفتى السبب الذي كرهته، أخذ في طلب الأدب والحكمة، والعلم والفروسية، والرماية وضرب الصوالجة، حتى مهر في ذلك، ثم رفع إلى أبيه أنه يحتاج من الدواب والآلات والمطاعم والملابس والندماء إلى فوق ما يقدر له، فسر بذلك وأمر له به.
ثم دعا مؤدبه فقال له: إن الموضع الذي وضع ابني نفسه من حب هذه المرأة لا يزري به، فتقدم إليه أن يرفع إلي أمرها، ويسألني أن أزوجه إياها ففعل، فرفع الفتى ذلك إلى أبيه، فدعا بأبيها فزوجه إياها، وأمر بتعجيلها إليه، وقال له: إذا اجتمعت وهي فلا تحدث شيئاً حتى أصير إليك، فلما اجتمعا صار إليه، فقال: يا بني! لا يضعن منها عندك مراسلتها إياك وليست في حبالك، فإني أنا أمرتها بذلك، وهي أعظم الناس منةً عليك بما دعتك إليه من طلب الحكمة، والتخلق بأخلاق الملوك، حتى بلغت الحد الذي تصلح معه للملك من بعدي، فزدها من التشريف والإكرام بقدر ما تستحق منك، ففعل الفتى وعاش مسروراً بالجارية، وعاش أبوه مسرورٌ به، وأحسن ثواب أبيها، ورفع مرتبته وشرفه، بصيانته سره وطاعته، وأحسن جائزة المؤدب بامتثاله ما أمره به، وعقد لابنه على الملك من بعده.
قال اليماني مولى ذي الرياستين، ثم قال لهم ذو الرياستين: سلوا الشيخ الآن لم حملكم على العشق؟ فسألناه، فحدثنا حديث بهرام جور وابنه.
الآن ظرف ولطف
قال القاضي: وقد حكى لي بعض ذوي الفضل والأدب أنه أخبر عن فتى من خاصة أهله أنه عشق، على وجه الزراية عليه، فقال: الآن ظرف ولطف ونظف.
من التلطف في ترقية المرء إلى المعالي